في كل مناسبة، بسبب او بدون سبب، يتم التهجم على مقدساتنا المسيحية وعلى عقائدنا الايمانية، من قِبل اشخاص وهيئات ومؤسسات مشبوهة غير بريئة الاهداف، آخرها ما حصل في افتتاح الالعاب الاولمبية في باريس. وكما في كل مرّة، لم تأت ردودنا كمسيحيين بحجم الاساءة الموجهة الينا، وكأننا نؤخذ دائمًا على حين غرّة.
اي بحث في الاسباب التي تدفع بالمستهزئين لشن مثل هذه الهجمات على الايمان المسيحي ومقدساته هو بحث غير مجدٍ ولا طائل منه، لا بل يُعتبر اهانة لذكائنا ولوعينا، لأننا نعلم يقينًا مدى الحقد والعداء اللذين يسيطران على قلوب وعقول هؤلاء المتهجمين والشتامين والمفسدين في الارض تجاه التعاليم والقيم والاخلاق التي يحملها جوهر هذا الايمان بشكل عام، وكم هو مُضِرٌ تمسك المؤمنين بهذه التعاليم التي تتحول عائقًا معطّلًا لمشاريعهم وتضرب آمالهم السوداء في تدمير كل ما هو قيمة واخلاق وعائلة.
ما يُزعجنا ليس جهلنا لمن يكُنّ لنا العداء ويتقصد تدميرنا، لأننا نعرفه ونعرف طرقه واساليبه، انما ما يُزعجنا لا بل ما يؤلمنا هو هزالة المواقف والردود منا جميعًا امام حجم الاساءة الموجهة الينا، وهو امر لم يعد بالامكان التغاضي عنه وعدم التوقف عنده. ان كلمات التسامح والمسامحة والمحبة الواردة في الانجيل لا تحجب عنا حق الدفاع عن النفس واعلاء الصوت بوجه اي فعل يسيء الى ايماننا، لأن انكار حق الدفاع عن النفس يعني تشريع الانتحار، والمسيحية لا تسمح بالانتحار. قد نسامح ونغفر لمن اساء الينا لكننا يجب الا نسمح بعد الآن بتكرار مثل هذه الاهانات من قبل المتحولين جنسيًا والمثليين والملحدين وغيرهم ممن يكيلون العداء للكنيسة ولكل ما تمثله من قِيَم. اما مسوّغ “حرية التعبير” فهو حجة ساقطة حُكمًا، فمن ذا الذي اعطاهم الحق في التعبير عن آرائهم من خلال تحقير معتقداتنا وحَرَمَنا من هذا الحق في الدفاع عن ايماننا؟
فالى متى الانتظار، ومتى سيحين الوقت لكي نقف كتلة واحدة ونقوم بواجبنا الايماني والانساني من خلال التصدي لكل من يريد ان يهيننا ويهين ايماننا؟ يدمرون عائلاتنا ومجتمعاتنا ونحن نتفرج، يسنون قوانين تضرب انسانية الانسان في عمق اعماقها ونحن نتفرج، مكتفين بالتململ وبردات الفعل الآنية وفي اليوم التالي نُكمل وكأن شيئًا لم يكن، بانتظار الهجوم التالي. فمن سيحترمنا عندها ويعتبرنا ويخشى ردات فعلنا؟ ما ينقصنا هو التضامن والكثير الكثير من التواضع لكي نصل الى هذا التضامن. علينا التخلي،جماعات ومؤسسات وافراد، عن هذه “الانا” وان نفهم بأن “الانا” هي حالة مَرَضيّة تفرقنا وتشرذمنا مما يُسهل على الآخرين استفرادنا واهانتنا وتدمير قيمنا. فلنتواضع ونتضامن لكي نقف وقفة رجل واحد، في وجه محاولات تدميرنا وتدمير عائلاتنا وايماننا واخلاقنا.
من الطبيعي الا تكون هذه الصرخة موجهة الى غير المبالين والقدريين، ولا لأتباع الفلسفات المُلحدة، الوجودية او النفعية وغيرها من الفلسفات النيوليبرالية، وبالأخص هي غير موجهّة للمثليين والمتحولين جنسيًا والملحدين الناشطين في عدائهم للكنيسة ولتعاليمها. كما انها لا تتوجه الى من يقول ان المسيح ليس بحاجة لمن يدافع عنه، فهؤلاء يجب ان يفهموا امرًا مهمًا وجوهريًا، ان المسيح هو رأس الكنيسة، ومن يدافع عن تعاليم المسيح يدافع حُكمًا عن الكنيسة جمعاء وعن رأسها ضمنًا، فلا كنيسة من دون المسيح. ونحن بدفاعنا عن الايمان وعن القيم وعن الاخلاق وعن كل ما علمنا اياه سيدنا يسوع المسيح، انما نكون في حالة دفاع تلقائي عن “الانسان” الذي تجسد المسيح من اجله وارتضى من اجله ان يسير درب الجلجلة وقبِل ان يُعلّق على الصليب وهو الاله، وذاق الموت وقام منتصرًا على آخر عدو، متممًا كل شيء، من اجل خلاص “الانسان”، وليتحول هذا الفداء العظيم مدخلًا لملكوت السماء الذي يدعو اليه الرب الاله جميع البشر على امتداد العصور وحتى انتهاء الدهور.
بالحقيقة هذه الصرخة موجهة لكل المسيحيين افرادًا وجماعات، علمانيين ومكرسين، الممتلئين من حب المسيح والمؤمنين بقوة شفاعة امنا مريم العذراء وجميع القديسين، ممن يعتبرون أن السكوت عن الاهانات والافتراءات اصبح بمثابة موت بطيء يتسلل الى بيوتنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا، والى من هم مقتنعين بأن الاوان قد حان لممارسة حقنا بالوقوف بوجه كل من تسوّل له نفسه تناول ايماننا وتعاليمنا بخفة وباستهزاء. فما المانع من تشكيل تجمع كبير يضمنا جميعًا، على صعيد الوطن وفي الخارج، يعمل على افهام كل من يحاول التطاول علينا واهانتنا بايماننا بأن افعالهم هذه لن تمر بعد الان مرور الكرام، ولن يبقى الرد عليها هزيلًا خجولًا. لا يجب ان نخشى شيئًا ولا ان نخاف احدًا “لأننا اقوياء بالذي يقوينا.”
اننا ندعو ونصلي بكل ايمان وبكل حرارة ان تلقى هذه الصرخة آذانًا صاغية، لأن قوتنا باتحادنا. رسالتنا الى الجميع، دولًا ومنظمات، افرادًا وجماعات، بأننا اناس لا نخجل بايماننا ولا نسمح لأحد بأن يتنمر علينا، ولا ان يُبخّس من تعاليمنا ومن معتقداتنا. وبأننا دائمًا متأهبين للذود عن تعاليمنا ومعتقداتنا، لأن اي تهاون سنُظهره اليوم ستدفع ثمنه اجيالنا القادمة، وكل تخاذل منا اليوم سيكون مكلفًا لنا غدًا. فالى متى يجب ان نتحمل بعد كل هذه الاساءات والافتراءات؟ متى سيحين الوقت المناسب لاتخاذ موقف؟ ما من وقت مثل الوقت الحالي، فلماذا لا يُبنى التوقيت والقرار على قاعدة “هنا والآن”؟

د. ميشال بعقليني